كلنا قد رأى الإعلان التليفزيوني الذي يظهر الفتاة السمراء اللون وهي تحلم بلفت انتباه فتى الأحلام، والذي بدلا من الالتفات إليها يلتفت إلى فتاة أخرى تتميز بالبشرة الفاتحة. ومن أجل حل تلك المشكلة العويصة؛ تنصحها إحدى صديقاتها المخلصات باستعمال الكريم "الفلاني" لتفتيح البشرة، والذي ما إن تستخدمه إلا ويلتفت إليها فتى الأحلام!!
ذلك الإعلان التليفزيوني يظهر بنفس هذا الشكل ولكن بشخصيات مختلفة على طول وعرض بلاد قارتي أفريقيا وآسيا من أجل ترويج المئات من كريمات وصابونات تفتيح البشرة، والتي تحتوي الكثير منها -إن لم يكن أغلبها- على مواد قد صنّفت على أنها ضارة جدا، بل ومُنعت في الكثير من دول أوروبا وأمريكا الشمالية.
وقد قامت كينيا أوائل العام الحالي بنشر وثيقة رسمية بالجرائد اليومية تعلن فيها عن أسماء الشركات التي تستخدم في منتجاتها للتجميل تلك المواد الضارة، وأنه على المستخدم تحمّل عواقب الاستخدام في حالة الحصول على تلك المنتجات من السوق السوداء. كما تنوي أوغندا اتباع نفس الخطوة في القريب العاجل؛ من أجل وقف ظهور تلك المواد في منتجات يستطيع أي أحد شراءها من السوبر ماركت أو الصيدلية.
أهم المواد التي بدأ التركيز على خطورة وجودها ضمن تكوينات كريمات وصابونات تفتيح البشرة هي مادة الهايدروكينون hydroquinone والمواد ذات الأصل الزئبقي، بالإضافة إلى الكورتيزون وبروكسيد الهيدروجين hydrogen peroxide. تلك المواد جميعا هي مستحضرات طبية لا ينبغي تناولها أو استخدامها إلا بوصف من الطبيب ومتابعته، في حين أنها تتواجد داخل العديد من مستحضرات التجميل ويسهل على الجميع شراؤها.
مادة الهايدروكينون هي المادة الأساسية الموجودة الآن داخل أغلب تلك الكريمات، وقد خَلَفت الزئبق كمادة أساسية للتفتيح بعد الاكتشاف بأن الزئبق يتسبب في حدوث إتلاف للجلد والمخ، إلا أن الهايدروكينون ليس أفضل منه بكثير، وقد كانت النسبة المسموح بها لتلك المادة في مستحضرات التجميل داخل أوروبا 2%، إلا أن دولة كالمملكة المتحدة قد منعت وجودها نهائيا في جميع مستحضرات التجميل منذ شهر يناير من العام الحالي 2001.
يعمل الهايدروكينون من خلال وقف إنتاج الميلانين، وهي المادة الموجودة داخل الجلد والتي تتسبب في إعطاء اللون الأسمر. عند بداية استخدام الكريم الحاوي على الهايدروكينون، يبدو للمستخدم أن البشرة قد تفتحت بالفعل، إلا أنه حين يتعرض المستخدم لأشعة الشمس يكون مفعوله عكسيا مؤديا إلى زيادة في الاسمرار وبالتالي يعاود المستخدم دهن المزيد من الكريم. استخدام الكريم لمدة طويلة يؤدي إلى حدوث بقع داكنة بالجلد وحدوث آلام في الجلد وظهور حبّ الشباب، بالإضافة إلى إمكان حدوث سرطان الجلد على المدى البعيد بسبب الاستخدام لسنين طويلة أو حدوث اضطرابات بالكبد والكُلَى بسبب امتصاص المادة عن طريق الجلد.
وفي حين أن الكثير من دول أوروبا قد منعت ظهور الهايدروكينون داخل جميع مستحضرات التجميل، فإنها ما زالت تصدّرها إلى دول أفريقيا وآسيا. كما أن الكثير من تلك الكريمات المفتّحة للبشرة تدّعي وجود الهايدروكينون بنسبة تقل عن 2%، إلا أن فحص المستحضر معمليا قد أثبت وجود هذه المادة بنسب قد تصل إلى الضعف في بعض الأحيان. هذا ما قد اكتشفه مكتب المقاييس الكيني في الكثير من المستحضرات الموجودة داخل الأسواق الكينية.
ثم إن الكثير من كريمات تفتيح البشرة لا تعلن -من الأصل- عن مكوناتها، والبعض الآخر منها يدّعي أنه يحتوي على مادة الألنتوين allantoin الحامية ضد أشعة الشمس الضارة، في حين أن هذه المادة ما هي إلا ملطّف للجلد ولا تملك خاصية الحماية ضد أشعة الشمس!!
في كل الأحوال فإن أطباء الأمراض الجلدية يقولون: إن نسبة وجود الهايدروكينون داخل تلك المستحضرات ليست هي العامل المهم، بل المهم هو تراكم المادة بسبب الاستخدام المكثف على مرور السنين.
ويقول تقرير لمنظمة الصحة العالمية: إن استخدام الكريمات الحاوية للهايدروكينون بنسبة 2% يؤدي إلى ما يعرف بـochronosis وهو عبارة عن ترسّب مادة الميلانين داخل بعض الأنسجة مثل الغضاريف وداخل المفاصل، بالإضافة إلى تسببه في الإصابة بحسّاسية الجلد في بعض الحالات. يوصي التقرير –الذي نشر عام 1996- بتقييد مبيعات كريمات تفتيح البشرة بسبب استخدامها غير المرشّد، وأنه ينبغي على الحكومات عمل برامج توعية لصرف الناس عن استخدام الكريمات الحاوية على الهايدروكينون من أجل تفتيح بشرتهم. يذكر أن الهايدروكينون يُستخدم أيضا من أجل تحميض الصور الفوتوغرافية وكمضاد للأكسدة في صناعة الكاوتش.
المثير هو أن مبدأ تفضيل البشرة الفاتحة على البشرة السمراء هو نتاج الاستعمار الذي كان ينظر إلى أصحاب البلد سُمر اللون على أنهم دون المستعمر فاتِح البشرة، والذي ترك هذا الإحساس بالدونية حتى بعد سنين طويلة من انتهاء الاستعمار. ومما يذكر أن الله عز وجل قد خلق قاطني المناطق الحارة وبداخل جلودهم تلك المادة السمراء المسماة بالميلانين من أجل حمايتهم من أشعة الشمس، وهو ما جعل صاحب البشرة السمراء أقل عرضة بكثير من غيره للإصابة بسرطان الجلد. ولكن سعينا لتقليد أعمى لمستعمرينا السابقين هو ما جعلنا نسعى وراء التخلص من الميلانين الموجود بشكل طبيعي داخل الجلد من أجل الحصول على ما ظنناه هيئة وشكلا أفضل مما خلقنا الله سبحانه عليه.
أما نصيحتي، فهي الرضا بخلقة الله عز وجل، بل والافتخار بها. ولكن إن عجز الشخص عن عمل ذلك فعليه التأكد من مكونات الكريمات التي يستخدمها، وألا يستخدم مستحضرا لا يظهر داخل علبته بيان واضح بمكوناته. أما المستحضرات التي تمتلك هذا البيان، فعليك التأكد من خلوّها من مادة الهايدروكينون أو الزئبق.